مكون : الوضع البشري المفهوم : التاريخ المحور II: التاريخ وفكرة التقدم

ü         إشكالية المحور:
إذا كان التاريخ حقا هو امتداد للإنسان وحزب سياسي ضمن هويته وماهيته الخاصة ومدخلا........ لفهم الواقع الإجتماعي والنفسي والتاريخي لهذا الكائن
فما هو المنطلق إذن الذي يحكم التاريخ، هل هو الاتصال أم الإنفصال ؟ بمعنى هل التاريخ عبارة عن صيرورة خطية للأحداث والأفكار، أم أنه عبارة عن حركة أدبية ؟
أبدي إلى الأشياء نفسها ؟ إذا كان التاريخ هو يلازم الماضي والحاضر والمستقبل هل يسير دائما إلى الأمام ؟ ألا يعرف التاريخ انتكاسات وتوقفات كثيرة ؟
ü         تحليل ومناقشة المحور:
يذهب "ماركس" في كتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" إلى اعتبار التاريخ حركة نقدية ومتصلة، يتجه خلالها الإنسان نحو غاية حتمية هي بناء مجتمع اشتراكي، فالتاريخ حسب "ماركس" تطور تبعا للواقع الإجتماعي والإقتصادي للأفراد حيث أن المجتمع الإنساني مر بمراحل متعددة : المرحلة الإقطاعية، المرحلة الشيوعية ثم الرأسمالية كمرحلة والإشتراكية كهدف. وفي الإشتراكية ستختفي الملكية الخاصة وأدوات الإنتاج ويعود كل شيء للدولة فما دام التاريخ يقوم على اللامساواة وعلى الإستغلال، فإن الصراع الطبقي سيؤدي إلى تشكل وعي حقيقي لدى الطبقة العاملة وبالتالي زوال هذا النمط من الإنتاج وتعويضه بآخر يكفل للمجتمع نفس الحقوق والإمتيازات، لذلك نجد فلسفة "ماركس" تسير دائما في اتجاه نقد الفلسفات أو تاريخ الفلسفة، لكونه اهتم فقط بتصورات بعيدة عن الواقع الحقيقي للمجتمع والأفراد.
فإذا كان الإنسان هو من يصنع التاريخ وهو من يوجهه نحو الأمام فإن الفيلسوف الفرنسي "ميلوبونتي" يذهب إلى أن التاريخ سيسير ويتقدم بموجب قوانين وشروط من وضع الإنسان والحتميات معا، إذ لا يمكن أن نفرغه من تأثير الإنسان وتوجيهه لمختلف أحداثه ومضامينه، كما لا يمكن أن نرفع عنه تأثير حتميات خارجية تقوده نحو غايات محددة غير أن القول باتصالية التاريخ لا ينبغي أن يذهب بنا إلى حد اعتباره نسق مغلقا على ذاته، على اعتبار أن هناك هوامش لإمكانيات عديدة تنضاف إليه كما أن الإتصالية لا تعني بالضرورة أن الغاية التي يسير إليها حتمية، لأنه من الممكن أن ينحرف عنها ويسير من ثمة في اتجاه غير ....... له سلفا.
قدم "ميرلوبونتي" في كتابه "المعنى واللامعنى" تصورا جديدا للتاريخ يختلف جذريا عن التصوريين "الهيجلي" و "الماركسي" فالتاريخ حسبه نتاج لوعي إنساني سواء كان الوعي اقتصاديا أو سياسيا أو دينيا. وإن قدره هو التقدم وفق ما حدده له الإنسان ذلك أن من ينتجه يطمح دائما نحو جعل التاريخ والطبيعة خادمين له وليس العكس، لكنه في كثير من الحالات ينقلب التاريخ عن الغيات الإنسانية ليسير بدلا من ذلك في اتجاه لا يرضاه ولا يريده له. هذا المعنى لا يضع القول بأن التاريخ حركة متصلة أو جدلية محضة كما لا يضع القول بأنه نسق مغلق يرمي إلى غايات محددة مسبقا.
كل هذه التصورات السابقة التي تنظر إلى التاريخ كفكرة تقدمية لقيت نقدا شديدا من طرف المفكر البريطاني "إدوارد هالين  كار" الذي يذهب إلى كون التاريخ عبارة عن حركة محكومة بالقطائع والانحرافات، معتبرا أن فكرة التقدم والتطور مفهومات لا ينطبقان على التاريخ على اعتبار التقدم مرتبط بالطبيعة  والتطور بالوراثة الإنسانية، كما أن إسقاط أحدهما عليه من شأنه أن يوقعنا في نظرة ميتافيزيقية  وغبية عنه.
يقول المفكر البريطاني أنه إذا سلمنا بفكرة التطور والتقدم معناه أن العودة إلى الوراء والرجوع إلى الماضي سيكون فارغا من المعنى، كما أن ذلك سيجعلنا أمام إمكانية واحدة على مستوى نظرتنا إليه، وهي أننا لا نملك الحق في الحديث عن السلف وكل ما علينا هو أن نفتح أعيننا إلى الأمام منتظرين ما سيعود به التاريخ.
نفس التصور ذهب إليه الأنثروبولوجي الفرنسي "كلود ليفي ستروس" حيث يرى أن التاريخ ليس حركة متصلة أو منتظمة، كما أنه ليس تطوريا وإنما هو عبارة عن حركة مبينة على القطائع والإنفصالات ذلك أن القول بالتقدم والتطور من شأنه أن يخلق نوعا من التفاضل على مستوى لحظات التاريخ كما أن ذلك سيجعل من كل إمكانية الإستفادة بين مراحله إمكانية غير ممكنة.
وجه "سترون" نقدا جادا إلى رواد النزعة التطورية الذين يتصورون التاريخ وكأنه عبارة عن حركات يتجاوز فيه اللاحق السابق، وعلى العكس من ذلك إن التاريخ مبني في جوهره على التراكم والاستمرارية إذ لا يمكن بثر لحظة من لحظاته، مادام أن نشوء فكرة ما مثلا قد بني بالصيرورة على أنقاض سابقة لها.